| 0 التعليقات ]




نحن نعيش في عصر البشاعات التي لا تُغتفَر و عصر الظلم الجهير و الكذب الجهير و عصر تشويه الحقائق و التعمية على المظالم و الإشادة بالجبابرة .

و إسرائيل متهَمة .
و أمريكا متهَمة .
و أوروبا و جبهة الإستعمار القديم متهمة هي أيضاً .. و العرب متهمون بسكوتهم و سلبيتهم .
و الشعوب الضعيفة هي التي تدفع الثمن من قوتها و صحتها و لياقاتها و تقدمها و مستقبلها و حاضرها .. و هي ملومة أيضاً لسلبيتها و تخلفها .

و أغلى شيء في زماننا هي كلمة حق .. و موقف صدق .

و أجمل شيء في زماننا .. أن المعرفة ممكنة و متاحة و ميسرة للجميع .
و راديو صغير في حجم الكف يفتح لك أبواب الدنيا كلها بلمسة زرار .

و ما زالت أول كلمة نزلت من القرآن هي المفتاح لكل شيء .

اقرأ باسم ربك الذي خلق .
اقرأ .. إقرأ هي الباب و المدخل و الطريق .
اقرأ تعرف .
و إذا قرأت انفتحت أمامك أبواب كل شيء .

و قديماً قال سقراط :
إعرف نفســك .

كلمات قليلة من حروف قليلة .. و لكن فيها علوم الدنيا و معارف الدنيا و حكمة الدنيا كلها .

اقرأ يا أخي تفهم و تتعلم .. ثم يهون بعد ذلك كل شيء .

اقرأ صيحة الأديب يحيى الرخاوي التي أطلقها في كتابه الأخير " ذكر ما لا ينقال " تجد فيها ذلك الصدى المجنون الذي يتجاوب شعراً منثوراً مع غليان اللحظة و انفجار البركان الذي نكتوي به .

ماذا يقول الأديب و طبيب النفس الشهير .. و هو يكاد ينتفض عبر سطوره .. ؟!!


** يقول :

ماذا لو توجه الحجيج كل الحجيج ( مليونين ) بعد انتهاء مراسم الحج مباشرةً إلى القدس ..
و لا نطلب من الدول النفطية إلا أن يهيئوا لنا أوتوبيسات و سندويتشات و زجاجات ماء زمزم ..
و لن يتجاوز ثمن كل ذلك قيمة بضع طائرات ف 16 ..
و يمضي الحجيج حتى الحدود ثم ينزلون في مسيرة لا تتوقف زحفاً إلى القدس ممسكين بزجاجات الماء و السندويتشات .. غير مسلحين .. و لا حتى بالحجارة .

و يبدأ الإستشهاد .. ألف .. ألفين .. ثلاثة آلاف .. أربعة آلاف .. عشرة آلاف .. مائة ألف .. خمسمائة ألف .. إلى مليون .
فيبقى من إجمالي المسلمين .. ألف مليون إلا واحداً ( ذهب شهيداً ) .
هيا نفعلها .. نزحف حجاً استشهادياً إلى بيت المقدس .. و بناقص مليون مسلم يستشهدون بالجملة بدلا من أن يموتوا بالقطاعّي فِعلاً و مَجازاً .. في الجزائر .. و بؤَر المخدرات .. و موائد القمار .. و قعدات الشيشة .. و خَرَف الشيخوخة .

من خلف أستار الكعبة السوداء .. أرى أحجار الكعبة تدمع دماً .. و أسمع الصمت الفارع يبكي ندماً .
يا مَنْ تَدَلَى مِنْ مشابِك سترتي .. حَجَري تنَدَى خجلاً .. من فرط زيف القُبَلِ .
تتمايل الأجساد .. تنتشي .. تتبلد العقول .. يا ربنا .. يا ربنا .. أَدِم علينا نعمة العَمَى و نعمة الكسل .. حرموك من شرف الألم ..فارجع رعاك الله نَم .. و الله يغفر للجميع .

الذاهبون .. العائدون .. التائهون .. الذاهلون .. النائحون .. لا ينقص الحفل البهيج سوى الدفوف الصم و الوعي الملوث بالرضا ..
الضائعون .. الخائفون من بعضهم .. من قربهم .. من بُعدهم .. يا رب ضلوا السير .. داروا حولهم بمحلهم .

لما تسابقت الضباع عبادة محسوبة للجمع أو للمحو لا للسعي أو للصحو .. خاف الجائعون جوعاً أدهَى و أَمَرْ .. جرعوا الكؤوس المترعات و تمددوا صرعَى الخِدرِ .

رمل الفلاة أحَنُّ من لمس المغيب .. و كثافة الصخر الأصَم أرَّق من ثقل البكم .
و تناثروا .. و تبعثروا .. فتداخلت أشباحهم في ظل فجر كاذِب عند الأفق .

** ** **

إنه يستصرخ الألف مليون مسلم ، و يحتَج بوجدان يتفجَر بالألم و الذهول و الجنون .. أين أنتم ؟! ..
و يقدم في كتابه وقفة ذاتية تفتح جِراح النفس ، و تُضيء أغوار الباطِن بأسلوب مشتعل يضعه في مَصاف الفحول من كُتّاب السِيَر الذاتية ..
إنها ليست نكتة .. إنها صيحة استنكار .. و عويل مكتوم .. و نشيج متأجج .

و يصادف شيخنا لحظة تاريخية متفجرة لا تصلح للتعبير عنها إلا قنابل شعرية ناسفة ، و مشرط جَرّاح لا يَرحَم .

حنانيك يا صاحبي .. إن الحكاية أكبر من قضية غضب .. و أعقد بكثير من ثورة مشاعر .. و كم من جانٍ هو مجني عليه .. و كم من قاتل هو قتيل .. و كم من ظالِم هو ضحية .



د. مصطفى محمود . .
من كتاب / على حافة الزلزال


التعليقات : 0

إرسال تعليق


أخى الكريم تعليقاتك وارائك تهمنا جدا وتفتح للاخرين ابواب للمناقشات الهادفه والبناءة كما ان تعليقاتك تعكس مدى ثقافتك ورقيك فجعل دائما ارائك بناءة ومفيده وحاول ان تصل بها الى نتائج تفيد كل من يقراها